هل سبق أن حاولت بدء عادة جديدة مثل الاستيقاظ مبكرًا، أو القراءة يوميًا، أو الذهاب إلى النادي، لكن سرعان ما عدت إلى العادات القديمة؟ لا تقلق، فأنت لست وحدك. الالتزام بعادة جديدة هو تحدٍّ موجود لدى الجميع تقريبًا، لكن الفرق بين من ينجح ومن لا ينجح هو الطريقة.
في هذا المقال، سنأخذك في رحلة علمية ممتعة حول كيفية بناء عادات جديدة والالتزام بها بنجاح، بأسلوب بسيط ومبني على دراسات علم النفس السلوكي. اقرأ حتى النهاية، وستخرج بخطة عملية يمكنك البدء بها اليوم، دون تأجيل.
لماذا من الصعب الالتزام بالعادات الجديدة؟
قبل أن نذهب إلى الحل، دعنا نواجه الحقيقة: عقلك يحب الراحة. العادات القديمة تجعلك تشعر بالأمان لأنها مألوفة، بينما العادات الجديدة تتطلب جهدًا وطاقة. العقل لا يميز بين ما هو جيد أو سيئ لك، بل ببساطة يختار الطريق الأسهل والأسرع.
لكن الخبر السار هو أن العادات تُكتسب بالتكرار والذكاء وليس بالقوة أو الإرادة فقط.
الخطوة الأولى: حدد العادة بشكل واضح
لا تقل: “أريد أن أصبح شخصًا صحيًا“.
بل قل: “سأمشي 20 دقيقة بعد العشاء كل يوم“.
الخطأ الشائع في بدء العادات هو الغموض. العقل البشري يتشتت إذا لم يكن هناك هدف دقيق. لذلك، أول خطوة هي أن تحدد عادتك الجديدة بشكل واضح، وقابل للقياس، وقابل للتنفيذ.
– بدلاً من “أريد أن أقرأ أكثر“، قل: “سأقرأ 10 صفحات من كتاب تطوير ذات كل صباح بعد الإفطار“.
الخطوة الثانية: اربط العادة بسلوك موجود (قاعدة “التثبيت“)
اكتسبت قاعدة فعالة جدًا في علوم السلوك اسم “التثبيت“ أو Anchoring، وتعني ربط العادة الجديدة بشيء تقوم به أصلاً. لماذا؟ لأنك هكذا تستغل روتينك اليومي لبناء عادة جديدة.
مثال:
– بعد تنظيف أسناني، سأقوم بـ 5 دقائق من تمارين التنفس.
– بعد شرب قهوتي الصباحية، سأكتب 3 أشياء أنا ممتن لها اليوم.
بهذا الشكل، تقل احتمالية نسيان العادة الجديدة لأنك ربطتها بشيء تفعله بالفعل.
الخطوة الثالثة: اجعل العادة سهلة جدًا في البداية
القوة ليست في البداية القوية، بل في الاستمرار. ولذلك، عليك أن تجعل العادة الجديدة سهلة لدرجة أنه من المستحيل أن تفشل فيها.
على سبيل المثال:
– إذا كنت تريد أن تبدأ بالرياضة، لا تجبر نفسك على ساعة في أول يوم. ابدأ بـ 5 دقائق فقط.
– إذا كنت ترغب في الكتابة يوميًا، لا تفرض على نفسك كتابة فصل كامل، بل اكتب 100 كلمة فقط.
قاعدة “دقيقتين“ التي قدمها الكاتب جيمس كلير في كتابه “العادات الذرية“ تقول: “أي عادة جديدة يجب أن تبدأ وتنتهي في أقل من دقيقتين.“
ابدأ صغيرًا، وعندما تصبح عادة تلقائية، يمكنك توسيع المدة والجهد تدريجيًا.
الخطوة الرابعة: كرّر… كرّر… كرّر (السر في التكرار وليس الكمال)
واحدة من أهم الدراسات حول بناء العادات نُشرت في “جامعة لندن“، وبيّنت أن متوسط الوقت اللازم لتكوين عادة هو 66 يومًا، وليس 21 كما هو شائع. لكن المثير أن بعض الأشخاص احتاجوا إلى أكثر من 200 يوم لعادات معقدة.
ما المغزى؟
الاستمرارية أهم من الكمال. لا تستسلم إذا فاتك يوم أو يومان، عودة بسيطة أفضل من الانقطاع التام.
ضع تقويماً بسيطًا وعلّق عليه علامة كل يوم تنجح فيه بتطبيق العادة. هذا التحفيز البصري يدفعك للمواظبة أكثر مما تتخيل.
الخطوة الخامسة: كافئ نفسك (حتى لو بشيء بسيط)
عقلك يحب المكافآت. ولا نقصد هنا مكافآت ضخمة، بل رمزية ومرتبطة بمكافأة حقيقية للشعور بالإنجاز.
أمثلة:
– بعد إنهاء جلسة الدراسة، استمتع بـ وقت على الجوال (لكن بعد الإنجاز فقط)
– بعد أسبوع من الالتزام، كافئ نفسك بتناول قطعة حلوى تحبها أو شراء شيء بسيط.
المكافأة تعطي دماغك دفعة من هرمون الدوبامين، فتجعل العادة ممتعة، وليس مهمة ثقيلة.
الخطوة السادسة: راقب تقدمك وابنِ هوية حول العادة
العادات ليست مجرد أفعال… بل بناء لهوية جديدة.
لا تقل: “أريد أن أمارس الرياضة“، بل قل: “أنا شخص يهتم بصحته.“
لا تقل: “أحاول أن أقرأ كل يوم“، بل: “أنا قارئ منتظم.“
كل مرة تنفذ فيها العادة، فأنت تصوّت لنفسك كشخص يتبناها، وتُثبت هويتك الجديدة لنفسك. وهذا أقوى من التحفيز اللحظي.
أخيرًا: كيف تتغلب على المغريات والانقطاع؟
1. خفف الاحتكاك: إذا أردت القراءة، ضع الكتاب بجانب السرير. إذا أردت تقليل استخدام الهاتف، أزِل التطبيقات المشتتة. اجعل الالتزام أسهل، والانحراف عن العادة أصعب.
2.استخدم بيئتك لصالحك: أحِط نفسك بأشخاص يحفزونك. التحق بجروب واتساب أو مجتمع صغير يهتم بنفس العادة.
3. سامح نفسك عند الفشل، لكن لا تستسلم أبداً: كلنا نضعف، المهم أن تعود.
قاعدة ذهبية: “لا تسمح لأيام الانقطاع أن تتجاوز يومين متتاليين.“
لنُراجع باختصار ما تحتاجه لبدء عادة جديدة والالتزام بها:
– حدد الهدف بوضوح.
– اربط العادة بسلوك حالي.
– اجعلها سهلة في البداية.
– كرّرها وثابر.
– كافئ نفسك.
– غيِّر هويتك حول العادة.
كل ما تحتاجه ليس إرادة جبارة، بل نظام ذكي. النجاح في الالتزام لا يأتي من النية الجيدة وحدها، بل من اختيار البيئة الصحيحة، الخطوات الصغيرة، والاستمرارية الناعمة.
مقال اخر قد يعجبك: استراتيجيات استثمار المال بذكاء في سن العشرينات 2025
ابدأ اليوم، ولا تنتظر “المزاج“ أو بداية الأسبوع. كل ما تحتاجه هو دقيقة واحدة لتغيير السلوك… ومع الوقت، سيتغير معها نمط حياتك بالكامل.
